فيلم”كانسر”.. صرخة فنية شجاعة

فيلم “كانسر”.. صرخة فنية شجاعة ينقصها الخيال الإبداعي.


يقدّم فيلم «كانسر» تجربة فنية جريئة تمزج بين الخطاب السياسي والطابع المسرحي، في عمل يسعى إلى استنهاض الوعي ومواجهة الفساد من خلال لغة الفن السامية، ورغم صدق الرسالة وقوة الفكرة، إلا أن الإخراج وقع أحياناً في فخ المباشرة الزائدة وضعف التوظيف البصري.

يقدّم الصحفي النابه الشاب مصطفى محمد في فيلمه «كانسر» تجربة فنية جريئة، تتسلّح بالرمزية لتفتح النار على الفساد المستشري في جسد المجتمع. العمل لا يتعامل مع السرطان كمرض عضوي فحسب، بل يجعله استعارة كبرى لمرضٍ اجتماعي يلتهم القيم والنزاهة.

(( نقاط القوة))

رمزية ذكية: السرطان هنا هو الفساد، والبطل هو الضمير الحيّ الذي يقاوم الانهيار الأخلاقي. الرمز مباشر لكنه فعّال في توصيل الرسالة.

اختيار المكان: تصوير مشاهد رئيسية في مبنى نقابة الصحفيين منح الفيلم بعداً سياسياً صريحاً، وجعل المكان نفسه جزءاً من الدراما.

صدق الأداء: الممثلون أدّوا أدوارهم بشغف واندفاع واضح، ما أضفى على الفيلم طاقة حقيقية تعبّر عن صدق التجربة وحرارة الفكرة.

(( ما يحتاج إلى تطوير))

  • الإفراط في الشرح: التعليق الصوتي كان طويلاً ومتكرراً، فحوّل الصراع الدرامي إلى سردٍ مباشر. كان الأجمل أن نرى الصراع بصرياً لا أن نسمعه.
  • المبالغة في التمثيل: بعض المشاهد انزلقت إلى الميلودراما، بأداءٍ أقرب إلى خشبة المسرح منه إلى عدسة الكاميرا.

*الحوار المباشر: اللغة الخطابية الصريحة قللت من مساحة التأمل، فغابت الإيحاءات والرموز التي تترك للمشاهد فرصة المشاركة في الفهم واتساع الخيال والتأمل .

((قراءة درامية مبسطة))

الفيلم يقوم على فكرة البطل النزيه الذي يقاتل سرطان الفساد بينما يواجه مرضه العضوي. هنا يتقاطع الجسد المريض مع الوطن المريض، في استعارة تجمع بين الخاص والعام.

الحبكة تسير في مشاهد متتابعة أشبه باللوحات، تربطها تعليقات صوتية تشرح الصراع وتفسّره، لتنتهي القصة بنهاية مأساوية ذكية تؤكد أن الفساد ينتصر جسدياً، لكنه لا يطفئ الإيمان بالمقاومة.

*/الرؤية الإخراجية:

رؤية المخرج تميل إلى الخطابية المباشرة، فهو يريد أن يوقظ وعي الجمهور لا أن يقدّم تسلية أو عمل ترفيهي حيث استخدم الإضاءة والرموز بمهارة بشكل واضح:

الضوء القاسي في مشاهد المواجهة لفضح الواقع،

والظلال الكثيفة في المشاهد الداخلية لتجسيد صراع البطل الداخلي.

الكاميرا ركزت كثيراً على الوجوه، لكنها افتقرت أحياناً إلى التوازن في الحركة، مما أضعف الإحساس بالانسيابية السينمائية.

*/ الموسيقى والأداء

الموسيقى جاءت حزينة ومباشرة، تؤدي دور تفسيري للمشاعر بدلاً من أن تترك الصورة تتحدث.

أما الأداء، فتميّز بالحماس والصدق، لكنه بحاجة إلى ضبط سينمائي أكبر يخفف من المبالغة المسرحية.

** الرؤية الإخراجية والموضوع العام **

جاءت الرؤية الإخراجية مباشرة ومفعمة بالحيوية . استخدم المخرج السرطان كرمز للمرض الاجتماعي الذي ينخر جسد الوطن، في مقابل البطل النزيه الذي يجسد الضمير الإنساني المقاوم. التناقض بين النقاء الفردي والفساد المؤسسي كان محور الصورة الإخراجية.

*/ الحوار والتعليق الصوتي

اعتمد الإخراج على حوار صريح وخطابي، يفتقر إلى العمق النفسي أو الإيحاء (Subtext). بدا الحوار أداة لتوصيل الفكرة لا لبناء الشخصية.

أما التعليق الصوتي، فكان أشبه بـ” ستديو تحليلي” ، إذ لجأ المخرج إلى السرد الشارح بدلاً من ترك الصورة والفعل الدرامي يتحدثان وهى نقطة الضعف الواصحة فى العمل المميز.

*/ الحركة وتوظيف المكان

الحركة الجسدية للممثلين تميل إلى التعبير الواضح المبالغ فيها، ولم تُكيّف بما يتناسب مع عدسة الكاميرا.
ورغم أن اختيار سطح نقابة الصحفيين كموقع رئيسي كان رمزاً بارعاً للمقاومة، فإن الحركة داخل الفضاء لم تكن دائماً منسقة مع الدلالات الرمزية، ما جعل بعض المشاهد تبدو عفوية أكثر من كونها منسقة بصرياً.

*/ الموسيقى

الموسيقى جاءت ميلودرامية ومباشرة، تؤدي وظيفة تفسيرية للمشاعر بدلاً من تعميقها أو تنويعها . هذا الاستخدام المفرط بسبب غياب الصورة الصامتة، إذ لجأ المخرج للموسيقى بكثرة كبديل عن التعبير البصري الهادئ أو الأداء الإيحائي .

*/ الإضاءة

رغم ضعف الاتساق التقني في الإضاءة، فقد نجح المخرج أحياناً في توظيفها رمزياً لإبراز التناقض بين النور والظل، بما يعكس الصراع الداخلي للبطل.

الإضاءة القاسية في المشاهد الخارجية كانت مقصودة لتجسيد قسوة الواقع، لكنها افتقرت إلى التوازن المطلوب لخلق انسجام بصري متكامل ومتناغم

*/ الأداء التمثيلي

وجّه المخرج ممثليه نحو أداء عاطفي عالي، يركّز على توصيل الرسالة أكثر من الأداء التعبيري الذى يعطى مساحة معقولة للخيال الفني .

وفي غياب الضبط السينمائي للأداء، ظهرت بعض المشاهد بميلودرامية زائدة، كان يمكن الحدّ منها باحترافية

*/ الرموز والدلالات

الرموز التي استخدمها المخرج – مثل السرطان ونقابة الصحفيين – جاءت مباشرة للغاية ، فخدمت الرسالة التعليمية لكنها قللت من مساحة التأويل الفني. كان من الممكن أن يمنح الإخراج هذه الرموز مزيداً من الغموض الجمالي لتوسيع أفق التلقي.


((الخلاصة))

فيلم «كانسر» يحمل رؤية صادقة وشجاعة، ويكشف عن مخرج يمتلك موقفاً قيمياً واضحاً، لكنه بحاجة إلى مزيد من الضبط الفني المحكم.

،«كانسر» ليس مجرد فيلم؛ بل بيان فني حماسي يرسخ كون الفن ضمير للمجتمع ولكن هذا الضمير يحتاج أحياناً إلى توازن بين الصدق والعُمق، بين الرسالة المباشرة والجمال التأويلي الخفي.

حكايات صحفية

أحمد رمضان خليفه

  • Related Posts

    عماد إمام.. رجل الخدمات يخوض معركة العياط والبدرشين

    الجيزة – مكتب الصحيفة  تشهد دائرة العياط والبدرشين بمحافظة الجيزة واحدة من أكثر المعارك الانتخابية سخونة في انتخابات مجلس النواب 2025، حيث يتنافس عدد كبير من المرشحين على ثلاثة مقاعد…

    عصام بطاح يشارك حزب العدل الإحتفال بفوز النائب عبد المنعم إمام

    عصام بطاح يشارك حزب  العدل الاحتفال بفوز النائب عبدالمنعم إمام  شارك المستشار عصام بطاح  رئيس مجلس إدارة جريدة وموقع المصري الوطني احتفال حزب العدل بفوز النائب  عبدالمنعم إمام رئيس الحزب…

    اترك تعليقاً