‏لم يعد التعليم الرقمي رفاهية أو خيارًا ثانويًا، بل أصبح واقعًا يفرض نفسه على كل المراحل التعليمية. ومع تطور التكنولوجيا وتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي والمنصات الإلكترونية، بات السؤال الأهم: هل طلابنا جاهزون لهذا التحول؟‏تهيئة الطلاب للتعليم الرقمي لا تبدأ من الشاشة، بل من طريقة التفكير.‏فالطالب يحتاج أولًا إلى مهارات التعلم الذاتي، أي أن يعرف كيف يبحث ويحلل ويختار المعلومة الصحيحة من بين كمٍّ هائل من المصادر. لم يعد المعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة، بل أصبح المرشد الذي يساعد الطالب على التوجيه والاختيار.‏ثانيًا، نحتاج إلى تعزيز مهارات الانضباط الذاتي وإدارة الوقت.‏في البيئة الرقمية، لا يوجد جرس نهاية الحصة أو رقابة مباشرة، لذلك يجب أن يتعلم الطالب كيف ينظم وقته، ويضع لنفسه أهدافًا واضحة ويُتابع تقدمه بنفسه.‏أما الجانب الثالث، فهو الثقة الرقمية والأمان الإلكتروني.‏فمن الضروري أن يتعلم الطلاب كيف يتعاملون بأمان مع الإنترنت، وكيف يحمون بياناتهم الشخصية ويتجنبون الأخبار المضللة أو المحتوى غير الموثوق. هذه المهارات أصبحت جزءًا من التربية الحديثة مثلها مثل القراءة والكتابة.‏ولا يمكن أن نغفل دور المدرسة والأسرة في هذه التهيئة.‏فهما الجسر الذي يربط الطالب بالتكنولوجيا بشكل صحي ومتوازن. من المهم أن تكون البيئة المدرسية داعمة للتجربة الرقمية، وأن توفر الأدوات اللازمة، بينما تشجع الأسرة أبناءها على الاستخدام الإيجابي للتقنيات الحديثة بدلًا من الخوف منها.‏وأخيرًا، علينا أن نبدأ من الآن بخطوات عملية مثل تدريب الطلاب على استخدام المنصات التعليمية التفاعلية، وتنظيم ورش عمل رقمية مبسطة داخل المدارس، وتشجيعهم على المشروعات البحثية الرقمية بدلًا من الحفظ التقليدي. فكل تجربة رقمية ناجحة تبني ثقة وتفتح آفاقًا جديدة للتعلم والإبداع.‏إن تهيئة الطلاب للتعليم الرقمي ليست مهمة يوم أو دورة تدريبية، بل هي ثقافة تُبنى خطوة بخطوة.‏وحين نُعدّ الطالب ليكون متعلمًا رقميًا واعيًا ومسؤولًا، نكون قد وضعنا أول حجر في بناء جيل قادر على الإبداع والمنافسة في عالم لا يعرف حدودًا بين الإنسان والتكنولوجيا